فصل: تفسير الآية رقم (92)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***


تفسير الآية رقم ‏[‏92‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً‏}‏ ‏"‏، وَمَا أَذِنَ اللَّهُ لِمُؤْمِنٍ وَلَا أَبَاحَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا‏.‏ يَقُولُ‏:‏ مَا كَانَ ذَلِكَ لَهُ فِيمَا جَعَلَ لَهُ رَبُّهُ وَأَذِنَ لَهُ فِيهِ مِنَ الْأَشْيَاءِ الْبَتَّةَ، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً‏}‏ ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ مَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ فِيمَا أَتَاهُ مِنْ رَبِّهِ، مِنْ عَهْدِ اللَّهِ الَّذِي عَهِدَ إِلَيْهِ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏إِلَّا خَطَأً‏"‏، فَإِنَّهُ يَقُولُ‏:‏ إِلَّا أَنَّ الْمُؤْمِنَ قَدْ يَقْتُلُ الْمُؤْمِنَ خَطَأً، وَلَيْسَ لَهُ مِمَّا جَعَلَ لَهُ رَبُّهُ فَأَبَاحَهُ لَهُ‏.‏ وَهَذَا مِنَ الِاسْتِثْنَاءِ الَّذِي يُسَمِّيهِ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ ‏"‏الاسْتِثْنَاءَ الْمُنْقَطِعَ‏"‏، كَمَا قَالَ جَرِيرُ بْنُ عَطِيَّةَ‏:‏

مِـنَ الْبِيـضِ، لَمْ تَظْعَنْ بَعِيدًا، وَلَمْ تَطَأْ *** عَـلَى الْأَرْضِ إِلَّا رَيْـطَ بُـرْدٍ مُرَحَّلِ

يَعْنِي‏:‏ وَلَمْ تَطَأْ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا أَنْ تَطَأَ ذَيْلَ الْبُرْدِ، وَلَيْسَ ذَيْلُ الْبُرْدِ مِنَ الْأَرْضِ‏.‏

ثُمَّ أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عِبَادَهُ بِحُكْمِمَنْ قُتِلَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ خَطَأً، حُكْمه فَقَالَ‏:‏ ‏"‏وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَّأً فَتَحْرِيرُ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ فَعَلَيْهِ تَحْرِيرُ ‏"‏رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ‏"‏، فِي مَالِهِ ‏"‏وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ‏"‏، تُؤَدِّيهَا عَاقِلَتُهُ ‏"‏إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا‏"‏، يَقُولُ‏:‏ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقَ أَهْلُ الْقَتِيلِ خَطَأً عَلَى مَنْ لَزِمَتْهُ دِيَةُ قَتِيلِهِمْ، فَيَعْفُوا عَنْهُ وَيَتَجَاوَزُوا عَنْ ذَنْبِهِ، فَيَسْقُطَ عَنْهُ‏.‏

وَمَوْضِعُ‏"‏أَنْ‏"‏ مِنْ قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا‏"‏، نَصْبٌ، لِأَنَّ مَعْنَاهُ‏:‏ فَعَلَيْهِ ذَلِكَ، إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا‏.‏

وَذَكَرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ الْمَخْزُومِيِّ، وَكَانَ قَدْ قَتَلَ رَجُلًا مُسْلِمًا بَعْدَ إِسْلَامِهِ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِإِسْلَامِهِ‏.‏

ذِكْرُ الْآثَارِ بِذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ عَيَّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ، قَتَلَ رَجُلًا مُؤْمِنًا كَانَ يُعَذِّبُهُ مَعَ أَبِي جَهْلٍ وَهُوَ أَخُوهُ لِأُمِّهِ فَاتَّبَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَحْسَبُ أَنَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ كَانَ كَمَا هُوَ‏.‏ وَكَانَ عَيَّاشٌ هَاجَرَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُؤْمِنًا، فَجَاءَهُ أَبُو جَهْلٍ وَهُوَ أَخُوهُ لِأُمِّهِ فَقَالَ‏:‏ إِنَّ أُمَّكَ تُنَاشِدُكَ رَحِمَهَا وَحَقَّهَا أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهَا وَهِيَأَسْمَاءُ ابْنَةُ مُخَرِّبَةَ، فَأَقْبَلَ مَعَهُ، فَرَبَطَهُ أَبُو جَهْلٍ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ‏.‏ فَلَمَّا رَآهُ الْكُفَّارُ زَادَهُمْ ذَلِكَ كُفْرًا وَافْتِتَانًا، وَقَالُوا‏:‏ إِنَّ أَبَا جَهْلٍ لِيَقْدِرُ مِنْ مُحَمَّدٍ عَلَى مَا يَشَاءُ وَيَأْخُذُ أَصْحَابَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ بِنَحْوِهِ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثِهِ‏:‏ فَاتَّبَعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ الرَّجُلُ، وَعَيَّاشٌ حَسِبَهُ أَنَّهُ كَافِرٌ كَمَا هُوَ‏.‏ وَكَانَ عَيَّاشٌ هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ مُؤْمِنًا، فَجَاءَهُ أَبُو جَهْلٍ وَهُوَ أَخُوهُ لِأُمِّهِ- فَقَالَ‏:‏ إِنَّ أُمَّكَ تَنْشُدُكَ بِرَحِمِهَا وَحَقِّهَا إِلَّا رَجَعْتَ إِلَيْهَا‏.‏ وَقَالَ أَيْضًا‏:‏ وَيَأْخُذُ أَصْحَابَهُ فَيَرْبُطُهُمْ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ بِنَحْوِهِ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، «عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ‏:‏ كَانَ الْحَارِثُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ أُنَيْسَةَ، مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ يُعَذِّبُ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ مَعَ أَبِي جَهْلٍ‏.‏ ثُمَّ خَرَجَ الْحَارِثُ بْنُ يَزِيدَ مُهَاجِرًا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَقِيَهُ عَيَّاشٌ بِالْحَرَّةِ، فَعَلَاهُ بِالسَّيْفِ حَتَّى سَكَتَ، وَهُوَ يَحْسَبُ أَنَّهُ كَافِرٌ‏.‏ ثُمَّ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ، وَنَزَلَتْ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً‏}‏ ‏"‏، الْآيَةَ، فَقَرَأَهَا عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ‏:‏ قُمْ فَحَرِّر»‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ نَزَلَتْ فِي عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ الْمَخْزُومِيِّ وَكَانَ أَخًا لِأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ، لِأُمِّهِ، وَإِنَّهُ أَسْلَمَ وَهَاجَرَ فِي الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ قَبْلَ قُدُومِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏ فَطَلَبَهُ أَبُو جَهْلٍ وَالْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ، وَمَعَهُمَا رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ‏.‏ فَأَتَوْهُ بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَ عِيَاشٌ أَحَبَّ إِخْوَتِهِ إِلَى أُمِّهِ، فَكَلَّمُوهُ وَقَالُوا‏:‏ ‏"‏إِنَّ أُمَّكَ قَدْ حَلَفَتْ أَنْ لَا يُظِلَّهَا بَيْتٌ حَتَّى تَرَاكَ، وَهِيَ مُضْطَجِعَةٌ فِي الشَّمْسِ، فَأْتِهَا لِتَنْظُرَ إِلَيْكَ ثُمَّ ارْجِعْ‏"‏‏!‏ وَأَعْطَوْهُ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَا يَهِيجُونَهُ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَأَعْطَاهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ بَعِيرًا لَهُ نَجِيبًا وَقَالَ‏:‏ إِنْ خِفْتَ مِنْهُمْ شَيْئًا، فَاقْعُدْ عَلَى النَّجِيبِ‏.‏ فَلَمَّا أَخْرَجُوهُ مِنَ الْمَدِينَةِ، أَخَذُوهُ فَأَوْثَقُوهُ، وَجَلَدَهُ الْعَامِرِيُّ، فَحَلَفَ لَيَقْتُلَنَّ الْعَامِرِيَّ‏.‏ فَلَمْ يَزَلْ مَحْبُوسًا بِمَكَّةَ حَتَّى خَرَجَ يَوْمَ الْفَتْحِ، فَاسْتَقْبَلَهُ الْعَامِرِيُّ وَقَدْ أَسَلَمَ، وَلَا يَعْلَمُ عَيَّاشٌ بِإِسْلَامِهِ، فَضَرَبَهُ فَقَتَلَهُ‏.‏ فَأَنْزَلَ اللَّهُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً‏}‏ ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ‏"‏ ‏{‏وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا‏}‏ ‏"‏، فَيَتْرُكُوا الدِّيَةَ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي أَبِي الدَّرْدَاءِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً‏}‏ ‏"‏، الْآيَةَ، قَالَ‏:‏ «نَـزَلَ هَذَا فِي رَجُلٍ قَتَلَهُ أَبُو الدَّرْدَاءِ، نَـزَلَ هَذَا كُلُّهُ فِيهِ‏.‏ كَانُوا فِي سَرِّيَّةٍ، فَعَدَلَ أَبُو الدَّرْدَاءِ إِلَى شِعْبٍ يُرِيدُ حَاجَةَ لَهُ، فَوَجَدَ رَجُلًا مِنَ الْقَوْمِ فِي غَنَمٍ لَهُ، فَحَمَلَ عَلَيْهِ بِالسَّيْفِ فَقَالَ‏:‏ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ‏!‏ قَالَ‏:‏ فَضَرَبَهُ، ثُمَّ جَاءَ بِغَنَمِهِ إِلَى الْقَوْمِ‏.‏ ثُمَّ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ شَيْئًا، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ أَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ‏!‏ فَقَالَ‏:‏ مَا عَسَيْتُ أَجِدُ‏!‏ هَلْ هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَّا دَمٌ أَوْ مَاءٌ‏؟‏ قَالَ‏:‏ فَقَدْ أَخْبَرَكَ بِلِسَانِهِ فَلَمْ تُصَدِّقْهُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ كَيْفَ بِي يَا رَسُولَ اللَّهِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ فَكَيْفَ بَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ فَكَيْفَ بِي يَا رَسُولَ اللَّهِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ فَكَيْفَ بَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ‏؟‏ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُبْتَدَأَ إِسْلَامِي‏.‏ قَالَ‏:‏ وَنَـزَلَ الْقُرْآنُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً‏}‏ ‏"‏ حَتَّى بَلَغَ‏"‏إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا‏"‏، قَالَ‏:‏ إِلَّا أَنْ يَضَعُوهَا»‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ عَرَّفَ عِبَادَهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ مَا عَلَى مَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً مِنْ كَفَّارَةٍ وَدِيَةٍ‏.‏ وَجَائِزٌ أَنْ تَكُونَ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ وَقَتِيلِهِ، وَفِي أَبِي الدَّرْدَاءِ وَصَاحِبِهِ‏.‏ وَأَيُّ ذَلِكَ كَانَ، فَالَّذِي عَنَى اللَّهُ تَعَالَى بِالْآيَةِ‏:‏ تَعْرِيفَ عِبَادِهِ مَا ذَكَرْنَا، وَقَدْ عَرَفَ ذَلِكَ مَنْ عَقَلَ عَنْهُ مِنْ عِبَادِهِ تَنْزِيلَهُ، وَغَيْرُ ضَائِرِهِمْ جَهْلُهُمْ بِمَنْ نَزَلَتْ فِيهِ‏.‏

وَأَمَّا ‏"‏الرَّقَبَةُ الْمُؤْمِنَةُالْمُرَادُ بِهَا ‏"‏، فَإِنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ مُخْتَلِفُونَ فِي صِفَتِهَا‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ لَا تَكُونُ الرَّقَبَةُ مُؤْمِنَةً حَتَّى تَكُونَ قَدِ اخْتَارَتِ الْإِيمَانَ بَعْدَ بُلُوغِهَا، وَصَلَّتْ وَصَامَتْ، وَلَا يَسْتَحِقُّ الطِّفْلُ هَذِهِ الصِّفَةَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي حَيَّانَ قَالَ‏:‏ سَأَلْتُ الشَّعْبِيَّ عَنْ قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ قَدْ صَلَّتْ وَعَرَفَتِ الْإِيمَانَ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ‏}‏ ‏"‏، يَعْنِي بِالْمُؤْمِنَةِ، مَنْ عَقَلَ الْإِيمَانَ وَصَامَ وَصَلَّى‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ‏:‏ مَا كَانَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ‏"‏رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ‏"‏، فَلَا يُجْزِئُ إِلَّا مَنْ صَامَ وَصَلَّى‏.‏ وَمَا كَانَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ‏"‏رَقَبَةٍ‏"‏ لَيْسَتْ‏"‏مُؤْمِنَةً‏"‏، فَالصَّبِيُّ يُجْزِئُ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ‏:‏ كُلُّ شَيْءٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ‏}‏ ‏"‏، فَمَنْ صَامَ وَصَلَّى وَعَقَلَ‏.‏ وَإِذَا قَالَ‏:‏ ‏"‏فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ‏"‏، فَمَا شَاءَ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ‏:‏ كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ‏:‏ ‏"‏فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ‏"‏، فَالَّذِي قَدْ صَلَّى‏.‏ وَمَا لَمْ يَكُنْ‏"‏مُؤْمِنَةً‏"‏، فَتَحْرِيرُ مَنْ لَمْ يُصَلِّ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ‏}‏ ‏"‏، ‏"‏وَالرَّقَبَةُ الْمُؤْمِنَةُ‏"‏ عِنْدَ قَتَادَةَ مَنْ قَدْ صَلَّى‏.‏ وَكَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُعْتَقَ فِي هَذَا الطِّفْلُ الَّذِي لَمْ يُصَلِّ وَلَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ‏.‏

حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ طَلْحَةَ الْيَرْبُوعِيُّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ إِذَا عَقَلَ دِينَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ فِي‏:‏ ‏"‏ ‏{‏فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ‏}‏ ‏"‏، لَا يُجْزِئُ فِيهَا صَبِيٌّ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ‏}‏ ‏"‏، يَعْنِي بِالْمُؤْمِنَةِ‏:‏ مَنْ قَدْ عَقَلَ الْإِيمَانَ وَصَامَ وَصَلَّى‏.‏ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ رَقَبَةً، فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، وَعَلَيْهِ دِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا بِهَا عَلَيْهِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ إِذَا كَانَ مَوْلُودًا بَيْنَ أَبَوَيْنِ مُسْلِمَيْنِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَإِنْ كَانَ طِفْلًا‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ‏:‏ كُلُّ رَقَبَةٍ وُلِدَتْ فِي الْإِسْلَامِ، فَهِيَ تُجْزِئُ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ‏:‏ لَا يُجْزِئُ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ مِنَ الرِّقَابِ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ وَهُوَ يَعْقِلُ الْإِيمَانَ مِنْ بَالِغِي الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، إِذَا كَانَ مِمَّنْ كَانَ أَبَوَاهُ عَلَى مِلَّةٍ مِنَ الْمِلَلِ سِوَى الْإِسْلَامِ، وَوُلِدَ بَيْنَهُمَا وَهُمَا كَذَلِكَ، ثُمَّ لَمْ يُسْلِمَا وَلَا وَاحِدٌ مِنْهُمَا حَتَّى أُعْتِقَ فِي كَفَّارَةِ الْخَطَأِ‏.‏ وَأَمَّا مَنْ وُلِدَ بَيْنَ أَبَوَيْنِ مُسْلِمَيْنِ، فَقَدْ أَجْمَعَ الْجَمِيعُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ الِاخْتِيَارِ وَالتَّمْيِيزِ، وَلَمْ يُدْرِكِ الْحُلُمَ، فَمَحْكُومٌ لَهُ بِحُكْمِ أَهْلِ الْإِيمَانِ فِي الْمُوَارَثَةِ، وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ إِنْ مَاتَ، وَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ إِنْ جَنَى، وَيَجِبُ لَهُ إِنْ جُنِيَ عَلَيْهِ، وَفِي الْمُنَاكَحَةِ‏.‏ فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ جَمِيعِهِمْ إِجْمَاعًا، فَوَاجِبٌ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِنَ الْحُكْمِ فِيمَا يُجْزِئُ فِيهِ مِنْ كَفَّارَةِ الْخَطَأِ إِنْ أُعْتِقَ فِيهَا مِنْ حُكْمِ أَهْلِ الْإِيمَانِ، مِثْلُ الَّذِي لَهُ مِنْ حُكْمِ الْإِيمَانِ فِي سَائِرِ الْمَعَانِي الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَغَيْرِهَا‏.‏ وَمَنْ أَبَى ذَلِكَ، عُكِسَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ فِيهِ، ثُمَّ سُئِلَ الْفَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ مِنْ أَصْلٍ أَوْ قِيَاسٍ‏.‏ فَلَنْ يَقُولَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ قَوْلًا إِلَّا أَلْزَمَ فِي غَيْرِهِ مِثْلَهُ‏.‏

وَأَمَّا ‏"‏الدِّيَةُ الْمُسَلَّمَةُ‏"‏ إِلَى أَهْلِ الْقَتِيلِ، فَهِيَ الْمَدْفُوعَةُ إِلَيْهِمْ، عَلَى مَا وَجَبَ لَهُمْ، مُوَفَّرَةٌ غَيْرُ مُنْتَقِصَةٍ حُقُوقَ أَهْلِهَا مِنْهَا‏.‏

وَذُكِرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ‏:‏ هِيَ الْمُوَفَّرَةُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ مُوَفَّرَةٌ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا‏"‏، فَإِنَّهُ يَعْنِي بِهِ‏:‏ إِلَّا أَنْ يَتَصَدَّقُوا بِالدِّيَةِ عَلَى الْقَاتِلِ، أَوْ عَلَى عَاقِلَتِهِ، فَأُدْغِمَتِ ‏"‏التَّاءُ‏"‏ مِنْ قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏يَتَصَدَّقُوا‏"‏ فِي ‏"‏الصَّادِ‏"‏ فَصَارَتَا‏"‏صَادًا‏"‏‏.‏

وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ أُبَيٍّ، ‏(‏إِلَّا أَنْ يَتَصَدَّقُوا‏)‏‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ الشَّرُودِ حَرْفُ أُبَيٍّ‏:‏ ‏(‏إِلَّا أَنْ يَتَصَدَّقُوا‏)‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏92‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ‏"‏، فَإِنْ كَانَ هَذَا الْقَتِيلُ الَّذِي قَتَلَهُ الْمُؤْمِنُ خَطَأً، ‏"‏مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ‏"‏، يَعْنِي‏:‏ مِنْ عِدَادِ قَوْمٍ أَعْدَاءٍ لَكُمْ فِي الدِّينِ مُشْرِكِينَ قَدْ نَابَذُوكُمُ الْحَرْبَ عَلَى خِلَافِكُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ ‏"‏وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ فَإِذَاقَتَلَ الْمُسْلِمُ خَطَأً رَجُلًا مِنْ عِدَادِ الْمُشْرِكِينَ، حُكْمه وَالْمَقْتُولُ مُؤْمِنٌ، وَالْقَاتِلُ يَحْسَبُ أَنَّهُ عَلَى كُفْرِهِ، فَعَلَيْهِ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ‏.‏

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى ذَلِكَ‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ مَعْنَاهُ‏:‏ وَإِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ مِنْ قَوْمٍ هُمْ عَدُوٌّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ أَيْ‏:‏ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ لَمْ يُهَاجِرْ فَقَتَلَهُ مُؤْمِنٌ، فَلَا دِيَةَ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ وَالْمُغِيرَةِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ هُوَ الرَّجُلُ يُسْلِمُ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَيُقْتَلُ‏.‏ قَالَ‏:‏ لَيْسَ فِيهِ دِيَةٌ، وَفِيهِ الْكَفَّارَةُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ يَعْنِيالْمَقْتُولَ يَكُونُ مُؤْمِنًا وَقَوْمُهُ كُفَّارٌ حُكْمه‏.‏ قَالَ‏:‏ فَلَيْسَ لَهُ دِيَةٌ، وَلَكِنْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ‏.‏

حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ يَكُونُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَقَوْمُهُ كُفَّارٌ، فَلَا دِيَةَ لَهُ، وَلَكِنْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ‏}‏ ‏"‏ فِي دَارِ الْكُفْرِ، يَقُولُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ‏}‏ ‏"‏، وَلَيْسَ لَهُ دِيَةٌ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ‏}‏ ‏"‏، وَلَا دِيَةَ لِأَهْلِهِ، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ كُفَّارٌ، وَلَيْسَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ عَهْدٌ وَلَا ذِمَّةٌ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ‏}‏ ‏"‏ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، قَالَ‏:‏ كَانَ الرَّجُلُ يُسْلِمُ ثُمَّ يَأْتِي قَوْمَهُ فَيُقِيمُ فِيهِمْ وَهُمْ مُشْرِكُونَ، فَيَمُرُّ بِهِمُ الْجَيْشُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيُقْتَلُ فِيمَنْ يُقْتَلُ، فَيُعْتِقُ قَاتِلُهُ رَقَبَةً، وَلَا دِيَةَ لَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ هَذَا إِذَا كَانَ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ أَيْ‏:‏ لَيْسَ لَهُمْ عَهْدٌ- يُقْتُلُ خَطَأً، فَإِنَّ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ‏}‏ ‏"‏، فَإِنْكَانَ فِي أَهْلِ الْحَرْبِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، فَقَتَلَهُ خَطَأً، حُكْمه فَعَلَى قَاتِلِهِ أَنْ يُكَفِّرَ بِتَحْرِيرِ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ، أَوْ صِيَامِ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، وَلَا دِيَةَ عَلَيْهِ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ‏}‏ ‏"‏، الْقَتِيلُ مُسْلِمٌ وَقَوْمُهُ كُفَّارٌ، فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ، وَلَا يُؤَدِّي إِلَيْهِمُ الدِّيَةَ فَيَتَقَوَّوْنَ بِهَا عَلَيْكُمْ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ عَنَى بِهِ الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ يَقْدَمُ دَارَ الْإِسْلَامِ فَيُسْلِمُ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى دَارِ الْحَرْبِ، فَإِذَا مَرَّ بِهِمُ الْجَيْشُ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ هَرَبَ قَوْمُهُ، وَأَقَامَ ذَلِكَ الْمُسْلِمُ مِنْهُمْ فِيهَا، فَقَتَلَهُ الْمُسْلِمُونَ وَهُمْ يَحْسَبُونَهُ كَافِرًا‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ‏}‏ ‏"‏، فَهُوَ الْمُؤْمِنُ يَكُونُ فِي الْعَدُوِّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، يَسْمَعُونَ بِالسَّرِّيَّةِ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَفِرُّونَ وَيَثْبُتُ الْمُؤْمِنُ، فَيُقْتَلُ، فَفِيهِ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏92‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاق‏"‏، وَإِنْ كَانَالْقَتِيلُ الَّذِي قَتَلَهُ الْمُؤْمِنُ خَطَأً‏"‏مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ‏"‏ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ‏"‏وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ‏"‏، حُكْمه أَيْ‏:‏ عَهْدٌ وَذِمَّةٌ، وَلَيْسُوا أَهْلَ حَرْبٍ لَكُمْ‏"‏فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ فَعَلَى قَاتِلِهِ دِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ، يَتَحَمَّلُهَا عَاقِلَتُهُ‏"‏وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ‏"‏، كَفَّارَةً لِقَتْلِهِ‏.‏

ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي صِفَةٍ هَذَاالْقَتِيلِ الَّذِي هُوَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ، أَهُوَ مُؤْمِنٌ أَوْ كَافِرٌ‏؟‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ هُوَ كَافِرٌ، إِلَّا أَنَّهُ لَزِمَتْ قَاتِلَهُ دِيَتُهُ، لِأَنَّ لَهُ وَلِقَوْمِهِ عَهْدًا، فَوَاجِبٌ أَدَاءُ دِيَتِهِ إِلَى قَوْمِهِ لِلْعَهْدِ الَّذِي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَنَّهَا مَالٌ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَلَا يَحِلُّ لِلْمُؤْمِنِينَ شَيْءٌ مِنْ أَمْوَالِهِمْ بِغَيْرِ طِيبِ أَنْفُسِهِمْ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ‏}‏ ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ إِذَا كَانَ كَافِرًا فِي ذِمَّتِكُمْ فَقُتِلَ، فَعَلَى قَاتِلِهِ الدِّيَةُ مُسَلَّمَةً إِلَى أَهْلِهِ، وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ، أَوْ صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ‏:‏ دِيَةُ الذِّمِّيِّمِقْدَارُهَا دِيَةُ الْمُسْلِمِ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَكَانَ يَتَأَوَّلُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ‏}‏ ‏"‏‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ عِيسَى بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ، وَلَيْسَ بِمُؤْمِنٍ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ هُشَيْمٍ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ‏}‏ ‏"‏، وَلَيْسَ بِمُؤْمِنٍ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ‏}‏ ‏"‏، بِقَتْلِهِ، أَيْ‏:‏ بِالَّذِي أَصَابَ مِنْ أَهْلِ ذِمَّتِهِ وَعَهْدِهِ ‏"‏ ‏{‏فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ‏}‏ ‏"‏ الْآيَةَ،

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ‏}‏ ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ فَأَدُّوا إِلَيْهِمُ الدِّيَةَ بِالْمِيثَاقِ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَأَهْلُ الذِّمَّةِ يَدْخُلُونَ فِي هَذَا‏"‏وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ‏"‏‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ هُوَ مُؤْمِنٌ، فَعَلَى قَاتِلِهِ دِيَةٌ يُؤَدِّيهَا إِلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، لِأَنَّهُمْ أَهْلُ ذِمَّةٍ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ هَذَا الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ وَقَوْمُهُ مُشْرِكُونَ لَهُمْ عَقْدٌ، فَتَكُونُ دِيَتُهُ لِقَوْمِهِ، وَمِيرَاثُهُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَيَعْقِلُ عَنْهُ قَوْمُهُ، وَلَهُمْ دِيَتُهُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ هُشَيْمٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْكُوفِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ وَهُوَ مُؤْمِنٌ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ كُلُّهُمْ مُؤْمِنٌ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ‏:‏ عَنَى بِذَلِكَ الْمَقْتُولَ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ‏.‏ لِأَنَّ اللَّهَ أَبْهَمَ ذَلِكَ فَقَالَ‏:‏ ‏"‏وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ‏"‏، وَلَمْ يَقُلْ‏:‏ ‏"‏وَهُوَ مُؤْمِنٌ‏"‏، كَمَا قَالَ فِي الْقَتِيلِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَأَهْلِ الْحَرْبِ وَعَنَى الْمَقْتُولَ مِنْهُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ‏.‏ فَكَانَ فِي تَرْكِهِ وَصْفَهُ بِالْإِيمَانِ الَّذِي وَصَفَ بِهِ الْقَتِيلَيْنِ الْمَاضِي ذِكْرُهُمَا قَبْلُ، الدَّلِيلُ الْوَاضِحُ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ‏.‏

فَإِنْ ظَنَّ ظَانٌّ أَنَّ فِي قَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏"‏فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ‏"‏، دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ، لِأَنَّ الدِّيَةَ عِنْدَهُ لَا تَكُونُ إِلَّا لِمُؤْمِنٍ، فَقَدْ ظَنَّ خَطَأً‏.‏ وَذَلِكَ أَنَّ دِيَةَ الذِّمِّيِّ وَأَهْلَ الْإِسْلَامِ سَوَاءٌ، لِإِجْمَاعِ جَمِيعِهِمْ عَلَى أَنَّ دِيَاتِ عَبِيدِهِمُ الْكُفَّارِ وَعَبِيدِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ سَوَاءٌ‏.‏ فَكَذَلِكَ حُكْمُ دِيَاتِ أَحْرَارِهِمْ سَوَاءٌ، مَعَ أَنَّ دِيَاتِهِمْ لَوْ كَانَتْ عَلَى مَا قَالَ مَنْ خَالَفَنَا فِي ذَلِكَ، فَجَعَلَهَا عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَاتِ أَهْلِ الْإِيمَانِ أَوْ عَلَى الثُّلْثِ، لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَعْنِيَّ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ‏"‏، مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ، لِأَنَّدِيَةَ الْمُؤْمِنَةِمِقْدَارهَا لَا خِلَافَ بَيْنَ الْجَمِيعِ إِلَّا مَنْ لَا يُعَدُّ خِلَافًا أَنَّهَا عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الْمُؤْمِنِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُخْرِجِهَا مِنْ أَنْ تَكُونَ دِيَةً‏.‏ فَكَذَلِكَ حُكْمُ دِيَاتِ أَهْلِ الذِّمَّةِ، لَوْ كَانَتْ مُقَصِّرَةً عَنْ دِيَاتِ أَهْلِ الْإِيمَانِ، لَمْ يُخْرِجْهَا ذَلِكَ مِنْ أَنْ تَكُونَ دِيَاتٍ‏.‏ فَكَيْفَ وَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِهِ، وَدِيَاتُهُمْ وَدِيَاتُ الْمُؤْمِنِينَ سَوَاءٌ‏؟‏

وَأَمَّا ‏"‏المِيثَاقُ‏"‏ فَإِنَّهُ الْعَهْدُ وَالذِّمَّةُ‏.‏ وَقَدْ بَيَّنَّا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَالْأَصْلَ الَّذِي مِنْهُ أُخِذَ، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ‏}‏ ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ عَهْدٌ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ هُوَ الْمُعَاهَدَةُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ‏}‏ ‏"‏، عَهْدٌ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ مِثْلَهُ‏.‏

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ وَمَا صِفَةُ الْخَطَأِ الَّذِي إِذَاقَتْلَ الْمُؤْمِنُ الْمُؤْمِنَ أَوِ الْمُعَاهِدَلَزِمَتْهُ دِيَتُهُ وَالْكَفَّارَةُ‏؟‏

قِيلَ‏:‏ هُوَ مَا قَالَ النَّخَعِيُّ فِي ذَلِكَ، وَذَلِكَ مَا‏:‏-

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ‏:‏ ‏"‏الْخَطَأُ‏"‏، أَنْ يُرِيدَ الشَّيْءَ فَيُصِيبَ غَيْرَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَيَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَا‏:‏ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ‏:‏ ‏"‏الْخَطَأُ‏"‏، أَنْ يَرْمِيَ الشَّيْءَ فَيُصِيبَ إِنْسَانًا وَهُوَ لَا يُرِيدُهُ، فَهُوَ خَطَأٌ، وَهُوَ عَلَى الْعَاقِلَةِ‏.‏

فَإِنْ قَالَ‏:‏ فَمَاالدِّيَةُ الْوَاجِبَةُمِقْدَارهَا فِي ذَلِكَ‏؟‏

قِيلَ‏:‏ أَمَّا فِي قَتْلِ الْمُؤْمِنِ، فَمِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ، إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْإِبِلِ، عَلَى عَاقِلَةِ قَاتِلِهِ‏.‏ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْجَمِيعِ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ فِي مَبْلَغِ أَسْنَانِهَا اخْتِلَافٌ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ‏.‏ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ‏:‏ هِيَ أَرْبَاعٌ‏:‏ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ مِنْهَا حِقَّةً، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ جَذَعَةً، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ بَنَاتِ مَخَاضٍ، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ بَنَاتِ لَبُونٍ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيالْخَطَأِ شِبْهِ الْعَمْدِدِيَتُهُ‏:‏ ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ حِقَّةً، وَثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً، وَأَرْبَعٌ وَثَلَاثُونَ ثَنِيَّةً إِلَى بَازِلِ عَامِهَا‏.‏ وَفِيَالْخَطَأِدِيَته‏:‏ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ حِقَّةً، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ جَذَعَةً، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ بَنَاتِ مَخَاضٍ، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ بَنَاتِ لَبُونٍ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ فِرَاسٍ وَالشَّيْبَانِيِّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ بِمِثْلِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِنَحْوِهِ‏.‏

حَدَّثَنِي وَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سِوَارٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ‏:‏ الدِّيَةُ مِائَةٌ أَرْبَاعًا، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ هِيَ أَخْمَاسٌ‏:‏ عِشْرُونَ حِقَّةً، وَعِشْرُونَ جَذَعَةً، وَعِشْرُونَ بَنَاتِ لَبُونٍ، وَعِشْرُونَ بَنِي لَبُونٍ، وَعِشْرُونَ بَنَاتِ مَخَاضٍ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ‏:‏ فِي الْخَطَأِ عِشْرُونَ حِقَّةً، وَعِشْرُونَ جَذَعَةً، وَعِشْرُونَ بَنَاتِ لَبُونٍ، وَعِشْرُونَ بَنِي لَبُونٍ، وَعِشْرُونَ بَنَاتِ مَخَاضٍ‏.‏

حَدَّثَنِي وَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ‏:‏ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ أَخْمَاسًا‏:‏ خُمْسٌ جِذَاعٌ، وَخُمْسٌ حِقَاقٌ، وَخُمْسٌ بَنَاتُ لَبُونٍ، وَخُمْسٌ بَنَاتُ مَخَاضٍ، وَخُمْسٌ بَنُو مَخَاضٍ‏.‏

حَدَّثَنَا مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ‏:‏ الدِّيَةُ أَخْمَاسٌ‏:‏ دِيَةُ الْخَطَأِ‏:‏ خُمْسٌ بَنَاتُ مَخَاضٍ، وَخُمْسٌ بَنَاتُ لَبُونٍ، وَخُمْسٌ حِقَاقٌ، وَخُمْسٌ جِذَاعٌ، وَخُمْسٌ بَنُو مَخَاضٍ‏.‏

وَاعْتَلَّ قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَةِ بِحَدِيثٍ

حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي زَائِدَةَ وَأَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ الْخَشْفِ بْنِ مَالِكٍ، «عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ‏:‏ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِي الدِّيَةِ فِي الْخَطَأِ أَخْمَاسًا» قَالَ‏:‏ أَبُو هِشَامٍ، قَالَ ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ‏:‏ عِشْرُونَ حِقَّةً، وَعِشْرُونَ جَذَعَةً، وَعِشْرُونَ ابْنَةَ لَبُونٍ، وَعِشْرُونَ ابْنَةَ مَخَاضٍ، وَعِشْرُونَ بَنِي مَخَاضٍ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ‏:‏ أَنَّهُ قَضَى بِذَلِكَ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ هِيَ أَرْبَاعٌ، غَيْرَ أَنَّهَا ثَلَاثُونَ حِقَّةً، وَثَلَاثُونَ بَنَاتِ لَبُونٍ، وَعِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ، وَعِشْرُونَ بَنُو لَبُونٍ ذُكُورٌ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ، عَنْ أَبِي عِيَاضٍ، عَنْ عُثْمَانَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَا فِي الْخَطَأِ شِبْهِ الْعَمْدِ‏:‏ أَرْبَعُونَ جَذَعَةً خَلِفَةً، وَثَلَاثُونَ حِقَّةً، وَثَلَاثُونَ بَنَاتِ مَخَاضٍ، وَفِي الْخَطَأِ ثَلَاثُونَ حِقَّةً، وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً، وَعِشْرُونَ بَنَاتِ مَخَاضٍ، وَعِشْرُونَ بَنُو لَبُونٍ ذُكُورٌ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ‏:‏ فِيدِيَةِ الْخَطَأِ‏:‏ ثَلَاثُونَ حِقَّةً، وَثَلَاثُونَ بَنَاتِ لَبُونٍ، وَعِشْرُونَ بَنَاتِ مَخَاضٍ، وَعِشْرُونَ بَنُو لَبُونٍ ذُكُورٌ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَثْمَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ، عَنْ أَبِي عِيَاضٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ‏.‏ قَالَ وَحَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، مِثْلَهُ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ‏:‏ أَنَّ الْجَمِيعَ مُجْمِعُونَ أَنَّ فِي الْخَطَأِ الْمَحْضِ عَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ‏:‏ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ‏.‏

ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي مَبَالِغِ أَسْنَانِهَا، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُقَصَّرُ بِهَا فِي الَّذِي وَجَبَتْ لَهُ الْأَسْنَانُ عَنْ أَقَلِّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَسْنَانِهَا الَّتِي حَدَّهَا الَّذِينَ ذَكَرْنَا اخْتِلَافَهُمْ فِيهَا، وَأَنَّهُ لَا يُجَاوِزُ بِهَا فِي الَّذِي وَجَبَتْ لَهُ عَنْ أَعْلَاهَا‏.‏ وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ جَمِيعِهِمْ إِجْمَاعًا، فَالْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ مُجْزِيًا مَنْ لَزِمَتْهُ دِيَةُ قَتْلٍ خَطَأٍ، أَيَّ هَذِهِ الْأَسْنَانِ الَّتِي اخْتَلَفَ الْمُخْتَلِفُونَ فِيهَا، أَدَّاهَا إِلَى مَنْ وَجَبَتْ لَهُ‏.‏ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَحُدَّ ذَلِكَ بِحَدٍّ لَا يُجَاوِزُ بِهِ وَلَا يُقَصَّرُ عَنْهُ، وَلَا رَسُولُهُ، إِلَّا مَا ذَكَرْتُ مِنْ إِجْمَاعِهِمْ فِيمَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لِلْإِمَامِ مُجَاوَزَةُ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ بِتَقْصِيرٍ وَلَا زِيَادَةٍ، وَلَهُ التَّخْيِيرُ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ بِمَا رَأَى الصَّلَاحَ فِيهِ لِلْفَرِيقَيْنِ‏.‏

وَإِنْ كَانَتْ عَاقِلَةُ الْقَاتِلِ مِنْ أَهْلِ الذَّهَبِ، فَإِنَّ لِوَرَثَةِ الْقَتِيلِ عَلَيْهِمْ عِنْدَنَا أَلْفَ دِينَارٍ‏.‏ وَعَلَيْهِ عُلَمَاءُ الْأَمْصَارِ‏.‏

وَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ ذَلِكَ تَقْوِيمٌ مِنْ عُمَرَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ، لِلْإِبِلِ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ فِي عَصْرِهِ‏.‏ وَالْوَاجِبُ أَنْ يُقَوَّمَ فِي كُلِّ زَمَانٍ قِيمَتُهَا، إِذَا عَدِمَ الْإِبِلَ عَاقِلَةُ الْقَاتِلِ، وَاعْتَلُّوا بِمَا‏:‏-

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى، عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ‏:‏ كَانَتِ الدِّيَةُ تَرْتَفِعُ وَتَنْخَفِضُ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ ثَمَانُمِائَةِ دِينَارٍ، فَخَشِيَ عُمَرُ مَنْ بَعْدُ، فَجَعَلَهَا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَأَلْفَ دِينَارٍ‏.‏

وَأَمَّا الَّذِينَ أَوْجَبُوهَا فِي كُلِّ زَمَانٍ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ ذَهَبًا أَلْفَ دِينَارٍ، فَقَالُوا‏:‏ ذَلِكَ فَرِيضَةٌ فَرَضَهَا اللَّهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ، كَمَا فَرَضَ الْإِبِلَ عَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ‏.‏ قَالُوا‏:‏ وَفِي إِجْمَاعِ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ فِي كُلِّ عَصْرٍ وَزَمَانٍ، إِلَّا مَنْ شَذَّ عَنْهُمْ، عَلَى أَنَّهَا لَا تُزَادُ عَلَى أَلْفِ دِينَارٍ وَلَا تَنْقُصُ عَنْهَا، أَوْضَحُ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّهَا الْوَاجِبَةُ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ، وُجُوبَ الْإِبِلِ عَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ، لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ قِيمَةٌ لِمِائَةٍ مِنَ الْإِبِلِ، لَاخْتَلَفَ ذَلِكَ بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ لِتَغَيُّرِ أَسْعَارِ الْإِبِلِ‏.‏

وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْحَقُّ فِي ذَلِكَ، لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ إِجْمَاعِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ‏.‏

وَأَمَّا مِنَ الْوَرِقِ عَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ عِنْدَنَا، فَاثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْعِلَلَ فِي ذَلِكَ فِي كِتَابِنَا ‏(‏كِتَابِ لَطِيفِ الْقَوْلِ فِي أَحْكَامِ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ‏)‏‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ إِنَّمَا عَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ مِنَ الْوَرِقِ عَشْرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ‏.‏

وَأَمَّادِيَةُ الْمُعَاهِدِ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِهِ مِيثَاقٌ، فَإِنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ اخْتَلَفُوا فِي مَبْلَغِهَا‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ دِيَتُهُ وَدِيَةُ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ سَوَاءٌ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ السَّرِيِّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ‏:‏ أَنْ أَبَا بَكْرٍ وَعُثْمَانَ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا، كَانَا يَجْعَلَانِ دِيَةَ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ، إِذَا كَانَا مُعَاهِدَيْنِ، كَدِيَةِ الْمُسْلِمِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ السَّرِيِّ، عَنِ الدَّسْتُوَائِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُيَيْنَةَ‏:‏ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَجْعَلُ دِيَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ، إِذَا كَانُوا أَهْلَ ذِمَّةٍ، كَدِيَةِ الْمُسْلِمِينَ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حَمَّادٍ قَالَ‏:‏ سَأَلَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ عَنْدِيَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ قَالَ‏:‏ إِنَّ دِيَتَهُمْ وِدِيَتَنَا سَوَاءٌ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ وَدَاوُدَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُمَا قَالَادِيَةُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ وَالْمَجُوسِيِّمِثْلُ دِيَةِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ‏:‏ كَانَ يُقَالُ‏:‏ دِيَةُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ وَالْمَجُوسِيِّ كَدِيَةِ الْمُسْلِمِ، إِذَا كَانَتْ لَهُ ذِمَّةٌ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ أَنَّهُمَا قَالَا‏:‏ دِيَةُ الْمُعَاهِدِ دِيَةُ الْمُسْلِمِ‏.‏

حَدَّثَنَا سِوَارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ دِيَةُ الْمُسْلِمِ وَالْمُعَاهِدِ سَوَاءٌ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ‏:‏ دِيَةُ الذِّمِّيِّ دِيَةُ الْمُسْلِمِ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ عَامِرٍ قَالَ‏:‏ دِيَةُ الذِّمِّيِّ مِثْلُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَيَانٍ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ عَامِرٍ‏:‏ وَبَلَغَهُ أَنَّ الْحَسَنَ كَانَ يَقُولُ‏:‏ ‏"‏دِيَةُ الْمَجُوسِيِّ ثَمَانُمِائَةٍ، وَدِيَةُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ أَرْبَعَةُ آلَافٍ‏"‏، فَقَالَ‏:‏ دِيَتُهُمْ وَاحِدَةٌ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ‏:‏ دِيَةُ الْمُعَاهِدِ وَالْمُسْلِمِ فِي كَفَّارَتِهِمَا سَوَاءٌ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ‏:‏ دِيَةُ الْمُعَاهِدِ وَالْمُسْلِمِ سَوَاءٌ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ دِيَتُهُ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الْمُسْلِمِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا دَاوُدُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ فِيدِيَةِ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ، قَالَ‏:‏ جَعَلَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نِصْفَ دِيَةِ الْمُسْلِمِ، وَدِيَةُ الْمَجُوسِيِّ ثَمَانُمِائَةٍ‏.‏ فَقُلْتُ لِعَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ‏:‏ إِنَّ الْحَسَنَ يَقُولُ‏:‏ ‏"‏أَرْبَعَةُ آلَافٍ‏"‏‏!‏ قَالَ‏:‏ كَانَ ذَلِكَ قَبِلَ الْغِلْمَةِ وَقَالَ‏:‏ إِنَّمَا جَعَلَ دِيَةَ الْمَجُوسِيِّ بَمَنْزِلَةِ الْعَبْدِ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ الْأَشْجَعِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ‏:‏ دِيَةُ الْمُعَاهِدِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الْمُسْلِمِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ دِيَتُهُ عَلَى الثُّلُثِ مِنْ دِيَةِ الْمُسْلِمِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي وَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ‏:‏ وَكَانَ قَاضِيًا لِأَهْلِ مَرْوٍ قَالَ‏:‏ جَعَلَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ دِيَةَ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ أَرْبَعَةَ آلَافٍ، أَرْبَعَةَ آلَافٍ‏.‏

حَدَّثَنَا عَمَّارُ بْنُ خَالِدٍ الْوَاسِطِيُّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ‏:‏ قَالَ عُمَرُ‏:‏ دِيَةُ النَّصْرَانِيِّ أَرْبَعَةُ آلَافٍ، وَالْمَجُوسِيِّ ثَمَانُمِائَةٍ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ ثَابِتٍ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ‏:‏ قَالَ عُمَرُ‏:‏ دِيَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ أَرْبَعَةُ آلَافٍ، وَدِيَةُ الْمَجُوسِيِّ ثَمَانُمِائَةٍ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ‏:‏ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ‏:‏ فَذَكَرَ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ‏:‏ أَنَّ رَجُلًا مِنْ قَوْمِهِ رَمَى يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ، فَرُفِعَ ذَلِكَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَأَغْرَمَهُ دِيَتَهُ أَرْبَعَةَ آلَافٍ‏.‏

وَبِهِ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ‏:‏ قَالَ عُمَرُ‏:‏ دِيَةُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ أَرْبَعَةُ آلَافٍ، أَرْبَعَةُ آلَافٍ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ عُمَرَ مِثْلَهُ‏.‏

قَالَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عُمَرَ مِثْلَهُ‏.‏

قَالَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ دِيَةُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ أَرْبَعَةُ آلَافٍ، وَالْمَجُوسِيِّ ثَمَانُمِائَةٍ‏.‏

حَدَّثَنَا سِوَارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ مِثْلَهُ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عُبَيْدٌ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ‏}‏ ‏"‏، الصِّيَامُ لِمَنْ لَا يَجِدُ رَقَبَةً، وَأَمَّا الدِّيَةُ فَوَاجِبَةٌ لَا يُبْطِلُهَا شَيْءٌ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏92‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِكَفَّارَة الْقَتْل الْخَطَأ ‏"‏، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً يُحَرِّرُهَا كَفَّارَةً لِخَطَئِهِ فِي قَتْلِهِ مِنْ قَتْلٍ مِنْ مُؤْمِنٍ أَوْ مُعَاهِدٍ، لِعُسْرَتِهِ بِثَمَنِهَا‏"‏فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ فَعَلَيْهِ صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ‏.‏

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ فِيهِ بِنَحْوِ مَا قُلْنَا‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ مَنْ لَمْ يَجِدْ عِتْقًا أَوْ عَتَاقَةً- شَكَّ أَبُو عَاصِمٍ- فِي قَتْلِ مُؤْمِنٍ خَطَأً، قَالَ‏:‏ وَأُنْزِلَتْ فِي عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَّأً‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ صَوْمُ الشَّهْرَيْنِ عَنِ الدِّيَةِ وَالرَّقَبَةِ‏.‏ قَالُوا‏:‏ وَتَأْوِيلُ الْآيَةِ‏:‏ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً، وَلَا دِيَةً يُسَلِّمُهَا إِلَى أَهْلِهَا، فَعَلَيْهِ صَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ زَكَرِيَّا، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ‏:‏ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْآيَةِ الَّتِي فِي‏"‏سُورَةِ النِّسَاءِ‏"‏‏:‏ ‏"‏ ‏{‏فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ‏}‏ ‏"‏‏:‏ صِيَامُ الشَّهْرَيْنِ عَنِ الرَّقَبَةِ وَحْدَهَا، أَوْ عَنِ الدِّيَةِ وَالرَّقَبَةِ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ مَنْ لَمْ يَجِدْ، فَهُوَ عَنِ الدِّيَةِ وَالرَّقَبَةِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ زَكَرِيَّا، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ بِنَحْوِهِ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ، أَنَّ الصَّوْمَ عَنِ الرَّقَبَةِ دُونَ الدِّيَةِ، لِأَنَّدِيَةَ الْخَطَأِ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ، وَالْكَفَّارَةَ عَلَى الْقَاتِلِ، بِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ عَلَى ذَلِكَ نَقْلًا عَنْ نَبِيِّهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَا يَقْضِي صَوْمُ صَائِمٍ عَمَّا لَزِمَ غَيْرَهُ فِي مَالِهِ‏.‏

وَ ‏"‏المُتَابَعَةُ‏"‏ صَوْمُ الشَّهْرَيْنِ، وَأَنْ لَا يَقْطَعَهُ بِإِفْطَارِ بَعْضِ أَيَّامِهِ لِغَيْرِ عِلَّةٍ حَائِلَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَوْمِهِ‏.‏

ثُمَّ قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏"‏تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا‏"‏، يَعْنِي‏:‏ تَجَاوُزًا مِنَ اللَّهِ لَكُمْ إِلَى التَّيْسِيرِ عَلَيْكُمْ، بِتَخْفِيفِهِ عَنْكُمْ مَا خَفَّفَ عَنْكُمْ مِنْ فَرْضِ تَحْرِيرِ الرَّقَبَةِ الْمُؤْمِنَةِ إِذَا أَعْسَرْتُمْ بِهَا، بِإِيجَابِهِ عَلَيْكُمْ صَوْمَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ‏"‏وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا‏"‏، يَقُولُ‏:‏ وَلَمْ يَزَلِ اللَّهُ ‏"‏عَلِيمًا‏"‏، بِمَا يُصْلِحُ عِبَادَهُ فِيمَا يُكَلِّفُهُمْ مِنْ فَرَائِضِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ‏"‏حَكِيمًا‏"‏، بِمَا يَقْضِي فِيهِمْ وَيُرِيدُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏93‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا عَامِدًا قَتْلَهُ، جَزَاؤُهُ مُرِيدًا إِتْلَافَ نَفْسِهِ‏"‏فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ فَثَوَابُهُ مِنْ قَتْلِهِ إِيَّاهُ ‏"‏جَهَنَّمُ‏"‏، يَعْنِي‏:‏ عَذَابَ جَهَنَّمَ‏"‏خَالِدًا فِيهَا‏"‏، يَعْنِي‏:‏ بَاقِيًا فِيهَا وَ ‏"‏الهَاءُ‏"‏ وَ ‏"‏الأَلِفُ‏"‏ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏فِيهَا‏"‏ مِنْ ذِكْرِ‏"‏جَهَنَّمَ‏"‏‏"‏وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِقَتْلِهِ إِيَّاهُ مُتَعَمِّدًا ‏"‏وَلَعَنَهُ‏"‏ يَقُولُ‏:‏ وَأَبْعَدُهُ مِنْ رَحْمَتِهِ وَأَخْزَاهُ ‏"‏وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا‏"‏، وَذَلِكَ مَا لَا يَعْلَمُ قَدْرَ مَبْلَغِهِ سِوَاهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏.‏

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيصِفَةِ الْقَتْلِ الَّذِي يَسْتَحِقُّ صَاحِبُهُ أَنْ يُسَمَّى مُتَعَمِّدًا، بَعْدَ إِجْمَاعِ جَمِيعِهِمْ عَلَى أَنَّهُ إِذَا ضَرَبَ رَجُلٌ رَجُلًا بِحَدِّ حَدِيدٍ يَجْرَحُ بِحَدِّهِ، أَوْ يَبْضَعُ وَيَقْطَعُ، فَلَمْ يُقْلِعْ عَنْهُ ضَرْبًا بِهِ حَتَّى أَتْلَفَ نَفْسَهُ، وَهُوَ فِي حَالِ ضَرْبِهِ إِيَّاهُ بِهِ قَاصِدٌ ضَرْبَهُ‏:‏ أَنَّهُ عَامِدٌ قَتْلَهُ‏.‏ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِيمَا عَدَا ذَلِكَ‏.‏ فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ لَا عَمْدَ إِلَّا مَا كَانَ كَذَلِكَ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي وَصَفْنَا‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ‏:‏ قَالَ عَطَاءٌ‏:‏ ‏"‏الْعَمْدُ‏"‏، السِّلَاحُ أَوْ قَالَ‏:‏ الْحَدِيدُ قَالَ‏:‏ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ‏:‏ هُوَ السِّلَاحُ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَيَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَا حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ‏:‏ الْعَمْدُ مَا كَانَ بِحَدِيدَةٍ، وَمَا كَانَ بِدُونِ حَدِيدَةٍ، فَهُوَ شِبْهُ الْعَمْدِ، لَا قَوَدَ فِيهِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ‏:‏ الْعَمْدُ مَا كَانَ بِحَدِيدَةٍ، وَشِبْهُ الْعَمْدِ مَا كَانَ بَخَشَبَةٍ‏.‏ وَشِبْهُ الْعَمْدِ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي النَّفْسِ‏.‏

حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ حَمَّادٍ الدُّولَابِيُّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ طَاوُسٍ قَالَ‏:‏ مَنْ قُتِلَ فِي عَصَبِيَّةٍ، فِي رَمْيٍ يَكُونُ مِنْهُمْ بِحِجَارَةٍ، أَوْ جَلْدٍ بِالسِّيَاطِ، أَوْ ضَرْبٍ بِالْعَصَا، فَهُوَ خَطَأٌ، دِيَتُهُ دِيَةُ الْخَطَأِ‏.‏ وَمَنْ قَتَلَ عَمْدًا فَهُوَ قَوَدُ يَدِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، وَمُغَيَّرَةُ، عَنِ الْحَارِثِ وَأَصْحَابِهِ، فِي الرَّجُلِ يَضْرِبُ الرَّجُلَ فَيَكُونُ مَرِيضًا حَتَّى يَمُوتَ، قَالَ‏:‏ أَسْأَلُ الشُّهُودَ أَنَّهُ ضَرَبَهُ، فَلَمْ يَزَلْ مَرِيضًا مِنْ ضَرْبَتِهِ حَتَّى مَاتَ، فَإِنْ كَانَ بِسِلَاحٍ فَهُوَ قَوَدٌ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ شِبْهُ الْعَمْدِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ كُلُّ مَا عَمَدَ الضَّارِبُ إِتْلَافَ نَفْسِ الْمَضْرُوبِ فَهُوَ عَمْدٌ، إِذَا كَانَ الَّذِي ضَرَبَ بِهِ الْأَغْلَبُ مِنْهُ أَنَّهُ يَقْتُلُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَحْيَى، عَنْ حِبَّانَ بْنِ أَبِي جَبَلَةَ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ وَأَيُّ عَمْدٍ هُوَ أَعْمِدُ مِنْ أَنْ يَضْرِبَ رَجُلًا بِعَصَا، ثُمَّ لَا يُقْلِعُ عَنْهُ حَتَّى يَمُوتَ‏؟‏‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ‏:‏ إِذَا خَنَقَهُ بِحَبْلٍ حَتَّى يَمُوتَ، أَوْ ضَرَبَهُ بِخَشَبَةٍ حَتَّى يَمُوتَ، فَهُوَ الْقَوَدُ‏.‏

وَعِلَّةُ مَنْ قَالَ‏:‏ ‏"‏كُلُّ مَا عَدَا الْحَدِيدِ خَطَأٌ‏"‏، مَا‏:‏-

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي عَازِبٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ‏:‏ «قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ كُلُّ شَيْءٍ خَطَأٌ إِلَّا السَّيْفَ، وَلِكُلِّ خَطَأٍ أَرْشٌ‏؟‏ »

وَعِلَّةُ مَنْ قَالَ‏:‏ ‏"‏حُكْمُ كُلِّ مَا قَتَلَ الْمَضْرُوبَ بِهِ مِنْ شَيْءٍ، حُكْمَ السَّيْفِ، فِي أَنَّ مَنْ قُتِلَ بِهِ قَتِيلُ عَمْدٍ‏"‏، مَا‏:‏-

حَدَّثَنَا بِهِ ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هُمَامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ‏:‏ أَنَّ يَهُودِيًّا قَتَلَ جَارِيَةً عَلَى أَوَضَاحٍ لَهَا بَيْنَ حَجَرَيْنِ، فَأُتِيَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَتَلَهُ بَيْنَ حَجَرَيْن»‏.‏

قَالُوا‏:‏ فَأَقَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ قَاتَلَ بِحَجَرٍ، وَذَلِكَ غَيْرُ حَدِيدٍ‏.‏ قَالُوا‏:‏ وَكَذَلِكَ حُكْمُ كُلِّ مَنْقَتَلَ رَجُلًا بِشَيْءٍ الْأَغْلَبُ مِنْهُ أَنَّهُ يَقْتُلُ مِثْلَ الْمَقْتُولِ بِهِ، نَظِيرُ حُكْمِ الْيَهُودِيِّ الْقَاتِلِ الْجَارِيَةَ بَيْنَ الْحَجَرَيْنِ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا، قَوْلُ مَنْ قَالَ‏:‏ كُلُّ مَنْ ضَرَبَ إِنْسَانًا بِشَيْءٍ الْأَغْلَبُ مِنْهُ أَنَّهُ يُتْلِفُهُ، فَلَمْ يُقْلِعْ عَنْهُ حَتَّى أَتْلَفَ نَفْسَهُ بِهِ‏:‏ أَنَّهُ قَاتِلُ عَمْدٍ، مَا كَانَ الْمَضْرُوبُ بِهِ مِنْ شَيْءٍ، لِلَّذِي ذَكَرْنَا مِنَ الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا‏"‏، فَإِنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ‏.‏ فَقَالَ بَعْضُهُمْ مَعْنَاهُ‏:‏ فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ إِنْ جَازَاهُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ هُوَ جَزَاؤُهُ، وَإِنْ شَاءَ تَجَاوَزَ عَنْهُ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ الْحَكَمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ جَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ إِنْ جَازَاهُ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ عُنِيَ بِذَلِكَ رَجُلٌ بِعَيْنِهِ، كَانَ أَسْلَمَ فَارْتَدَّ عَنْ إِسْلَامِهِ، وَقَتَلَ رَجُلًا مُؤْمِنًا‏.‏ قَالُوا‏:‏ فَمَعْنَى الْآيَةِ‏:‏ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا مُسْتَحِلًّا قَتْلَهُ، فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ‏:‏ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ قَتَلَ أَخَا مَقِيسِ بْنِ صُبَابَةَ، فَأَعْطَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدِّيَةَ فَقَبِلَهَا، ثُمَّ وَثَبَ عَلَى قَاتِلِ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ‏.‏ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ‏:‏ وَقَالَ غَيْرُهُ‏:‏ ضَرَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِيَتَهُ عَلَى بَنِي النَّجَّارِ، ثُمَّ بَعَثَ مَقِيسًا، وَبَعَثَ مَعَهُ رَجُلًا مِنْ بَنِي فِهْرٍ فِي حَاجَةٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاحْتَمَلَ مَقِيسٌ الْفِهْريَّ وَكَانَ أَيِّدًا فَضَرَبَ بِهِ الْأَرْضَ، وَرَضَخَ رَأْسَهُ بَيْنَ حَجَرَيْنِ، ثُمَّ أَلْفَى يَتَغَنَّى‏:‏

ثَـأَرْتُ بِـهِ فِهْـرًا، وَحَـمَّلْتُ عَقْلَـهُ *** سَـرَاةَ بَنِـي النَّجَّـارِ أَرْبَـابِ فَـارِعِ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ أَظُنُّهُ قَدْ أَحْدَثَ حَدَثًا‏!‏ أَمَا وَاللَّهِ لَئِنْ كَانَ فَعَلَ، لَا أُومِنُهُ فِي حِلٍّ وَلَا حَرَمٍ وَلَا سِلْمٍ وَلَا حَرْبٍ ‏!‏ فَقُتِلَ يَوْمَ الْفَتْحِ‏.‏ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ‏:‏ وَفِيهِ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ‏:‏ ‏"‏وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا‏"‏ الْآيَةَ،

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ إِلَّا مَنْ تَابَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ أَوْ‏:‏ حَدَّثَنِي الْحَكَمُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ‏:‏ سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا عَرَفَ الْإِسْلَامَ وَشَرَائِعَ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا، فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ، وَلَا تَوْبَةَ لَهُ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِمُجَاهِدٍ فَقَالَ‏:‏ إِلَّا مَنْ نَدِمَ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ ذَلِكَ إِيجَابٌ مِنَ اللَّهِ الْوَعِيدَ لِقَاتِلِ الْمُؤْمِنِ مُتَعَمِّدًا، كَائِنًا مَنْ كَانَ الْقَاتِلُ، عَلَى مَا وَصَفَهُ فِي كِتَابِهِ، وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ تَوْبَةً مِنْ فِعْلِهِ‏.‏ قَالُوا‏:‏ فَكُلُّ قَاتِلِ مُؤْمِنٍ عَمْدًا، فَلَهُ مَا أَوْعَدَهُ اللَّهُ مِنَ الْعَذَابِ وَالْخُلُودِ فِي النَّارِ، وَلَا تَوْبَةَ لَهُ‏.‏ وَقَالُوا‏:‏ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ بَعْدَ الَّتِي فِي‏"‏سُورَةِ الْفُرْقَانِ‏"‏‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ وَكِيعٍ قَالَا حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ يَحْيَى الْجَابِرِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ قَالَ‏:‏ كُنَّا عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ بَعْدَ مَا كُفَّ بَصَرُهُ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَنَادَاهُ‏:‏ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ، مَا تَرَى فِي رَجُلٍ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ ‏"‏جَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا‏"‏‏.‏ قَالَ‏:‏ أَفَرَأَيْتَ إِنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى‏؟‏ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ ثَكِلَتْهُ أُمُّهُ‏!‏ وَأَنَّى لَهُ التَّوْبَةُ وَالْهُدَى‏؟‏ «فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ سَمِعْتُ نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ‏:‏ ثَكِلَتْهُ أُمُّهُ‏!‏ رَجُلٌ قَتَلَ رَجُلًا مُتَعَمِّدًا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ آخِذًا بِيَمِينِهِ أَوْ بِشِمَالِهِ، تَشْخَبُ أَوْدَاجُهُ دَمًا، فِي قُبُلِ عَرْشِ الرَّحْمَنِ، يَلْزَمُ قَاتِلَهُ بِيَدِهِ الْأُخْرَى يَقُولُ‏:‏ سَلْ هَذَا فِيمَ قَتَلَنِي‏؟‏ وَوَالَّذِي نَفْسُ عَبْدِ اللَّهِ بِيَدِهِ، لَقَدْ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، فَمَا نَسَخَتْهَا مِنْ آيَةٍ حَتَّى قُبِضَ نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا نَزَلَ بَعْدَهَا مِنْ بُرْهَان»‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ‏:‏ عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، «عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا‏"‏، فَقِيلَ لَهُ‏:‏ وَإِنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا‏!‏ فَقَالَ‏:‏ وَأَنَّى لَهُ التَّوْبَةُ‏!‏»

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ دَاوُدَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ سَالِمٍ قَالَ‏:‏ كُنْتُ جَالِسًا مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَسَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ‏:‏ أَرَأَيْتَ رَجُلًا قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا، أَيْنَ مَنْزِلُهُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ ‏"‏جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا‏"‏‏.‏ قَالَ‏:‏ أَفَرَأَيْتَ إِنْ هُوَ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى‏؟‏ قَالَ‏:‏ وَأَنَّى لَهُ الْهُدَى، ثَكِلَتْهُ أُمُّهُ‏؟‏ «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَسَمِعْتُهُ يَقُولُ يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُعَلِّقًا رَأْسَهُ بِإِحْدَى يَدَيْهِ، إِمَّا بِيَمِينِهِ أَوْ بِشِمَالِهِ، آخِذًا صَاحِبَهُ بِيَدِهِ الْأُخْرَى، تَشْخَبُ أَوْدَاجُهُ حِيَالَ عَرْشِ الرَّحْمَنِ، يَقُولُ‏:‏ يَا رَبِّ، سَلْ عَبْدَكَ هَذَا عَلَامَ قَتَلَنِي‏؟‏ فَمَا جَاءَ نَبِيٌّ بَعْدَ نَبِيِّكُمْ، وَلَا نَزَلَ كِتَابٌ بَعْدَ كِتَابِكُم»‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَمَّارُ بْنُ رُزَيْقٍ، عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، «عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ بِنَحْوِهِ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثِهِ‏:‏ فَوَاللَّهِ لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَى نَبِيِّكُمْ، ثُمَّ مَا نَسَخَهَا شَيْءٌ، وَلَقَدْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ‏:‏ وَيْلٌ لِقَاتِلِ الْمُؤْمِنِ، يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ آخِذًا رَأْسَهُ بِيَدِه» ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ نَحْوَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ‏:‏ قَالَ لِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى‏:‏ سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ‏}‏ ‏"‏، فَقَالَ‏:‏ لَمْ يَنْسَخْهَا شَيْءٌ‏.‏ وَقَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا‏}‏ ‏[‏سُورَةُ الْفُرْقَانِ‏:‏ 68‏]‏‏.‏ قَالَ‏:‏ نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الشِّرْكِ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ‏:‏ أَمَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبْزَى أَنْ أَسْأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا طَلْقُ بْنُ غَنَّامٍ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ أَوْ‏:‏ حُدِّثْتُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ‏:‏ أَنْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبْزَى أَمَرَهُ أَنْ يَسْأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ الَّتِي فِي ‏"‏النِّسَاءِ‏"‏‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ‏}‏ ‏"‏ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ وَالَّتِي فِي ‏"‏الفُرْقَانِ‏"‏‏:‏ ‏{‏وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا‏}‏ إِلَى ‏{‏وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا‏}‏، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ فِي الْإِسْلَامِ وَعَلِمَ شَرَائِعَهُ وَأَمْرَهُ، ثُمَّ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا، فَلَا تَوْبَةَ لَهُ‏.‏ وَأَمَّا الَّتِي فِي ‏"‏الفُرْقَانِ‏"‏، فَإِنَّهَا لَمَّا أُنْزِلَتْ قَالَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ‏:‏ فَقَدْ عَدَلْنَا بِاللَّهِ، وَقَتَلْنَا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ بِغَيْرِ الْحَقِّ، وَأَتَيْنَا الْفَوَاحِشَ، فَمَا يَنْفَعُنَا الْإِسْلَامُ‏!‏ قَالَ فَنَزَلَتْ‏:‏ ‏{‏إِلَّا مَنْ تَابَ‏}‏ الْآيَةَ

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ النُّعْمَانِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ مَا نَسَخَهَا شَيْءٌ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ هِيَ مِنْ آخِرِ مَا نَزَلَتْ، مَا نَسَخَهَا شَيْءٌ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ النُّعْمَانِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ‏:‏ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْكُوفَةِ فِي قَتْلِ الْمُؤْمِنِ، فَدَخَلْتُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ‏:‏ لَقَدْ نَزَلَتْ فِي آخِرِ مَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ، وَمَا نَسَخَهَا شَيْءٌ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا آدَمُ الْعَسْقَلَانِيُّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو إِيَاسٍ مُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ‏:‏ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ‏}‏ ‏"‏ بَعْدَ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا‏}‏، بِسَنَةٍ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَلْمُ بْنُ قُتَيْبَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ نَزَلَتْ بَعْدَ ‏(‏إِلَّا مَنْ تَابَ‏)‏، بِسَنَةٍ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو إِيَاسٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ فِي قَاتِلِ الْمُؤْمِنِ‏:‏ نَزَلَتْ بَعْدَ ذَلِكَ بِسَنَةٍ‏.‏ فَقُلْتُ لِأَبِي إِيَاسٍ‏:‏ مَنْ أَخْبَرَكَ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ لَيْسَ لِقَاتِلٍ تَوْبَةٌ، إِلَّا أَنْ يَسْتَغْفِرَ اللَّهَ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا‏}‏ ‏"‏ الْآيَةُ، قَالَ عَطِيَّةُ‏:‏ وَسُئِلَ عَنْهَا ابْنُ عَبَّاسٍ، فَزَعَمَ أَنَّهَا نَزَلَتْ بَعْدَ الْآيَةِ الَّتِي فِي‏"‏سُورَةِ الْفُرْقَانِ‏"‏ بِثَمَانِ سِنِينَ، وَهُوَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ‏}‏ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏غَفُورًا رَحِيمًا‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ أَبِي السَّفَرِ، عَنْ نَاجِيَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ هُمَا الْمُبْهَمَتَانِ‏:‏ الشِّرْكُ وَالْقَتْلُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ، لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يَقُولُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا‏}‏ ‏"‏‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ بَعْضِ أَشْيَاخِهِ الْكُوفِيِّينَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ إِنَّهَا لَمُحْكَمَةٌ، وَمَا تَزْدَادُ إِلَّا شِدَّةً‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي هِيَاجُ بْنُ بِسْطَامَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ مُوسَى بْنِ عَقَبَةَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ‏:‏ نَزَلَتْ‏"‏سُورَةُ النِّسَاءِ‏"‏ بَعْدَ‏"‏سُورَةِ الْفُرْقَانِ‏"‏ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ الْبَرْقِيِّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا نَافِعُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبُو صَخْرٍ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ الْبَجَلِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ يَأْتِي الْمَقْتُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ آخِذًا رَأْسَهُ بِيَمِينِهِ وَأَوْدَاجُهُ تَشْخَبُ دَمًا، يَقُولُ‏:‏ يَا رَبِّ، دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ‏!‏ فَيُؤْخَذَانِ فَيُسْنَدَانِ إِلَى الْعَرْشِ، فَمَا أَدْرِي مَا يُقْضَى بَيْنَهُمَا‏.‏ ثُمَّ نَزَعَ بِهَذِهِ الْآيَةِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا‏}‏ ‏"‏ الْآيَةَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا نَسَخَهَا اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ مُنْذُ أَنْزَلَهَا عَلَى نَبِيِّكُمْ عَلَيْهِ السَّلَامُ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ رَجُلًا يُحَدِّثُ خَارِجَةَ بْنَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَاكَ يَقُولُ‏:‏ نَزَلَتِ الشَّدِيدَةُ بَعْدَ الْهَيِّنَةِ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا‏}‏ ‏"‏، إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، بَعْدَ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ‏}‏ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، ‏[‏سُورَةُ الْفُرْقَانِ، ‏]‏‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ رَجُلًا يُحَدِّثُ خَارِجَةَ بْنَ زَيْدٍ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَاكَ فِي هَذَا الْمَكَانِ بِمِنًى يَقُولُ‏:‏ نَزَلَتِ الشَّدِيدَةُ بَعْدَ الْهَيِّنَةِ قَالَ‏:‏ أُرَاهُ‏:‏ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، يَعْنِي‏:‏ ‏"‏وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا‏"‏ بَعْدَ‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ‏}‏ ‏[‏سُورَةُ النِّسَاءِ‏:‏ 48، ‏]‏‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُبَيْطٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ قَالَ‏:‏ مَا نَسَخَهَا شَيْءٌ مُنْذُ نَزَلَتْ، وَلَيْسَ لَهُ تَوْبَةٌ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ‏:‏ مَعْنَاهُ‏:‏ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا، فَجَزَاؤُهُ إِنْ جَزَاهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا، وَلَكِنَّهُ يَعْفُو وَيَتَفَضَّلُ عَلَى أَهْلِ الْإِيمَانِ بِهِ وَبِرَسُولِهِ، فَلَا يُجَازِيهِمْ بِالْخُلُودِ فِيهَا، وَلَكِنَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ إِمَّا أَنْ يَعْفُوَ بِفَضْلِهِ فَلَا يُدْخِلُهُ النَّارَ، وَإِمَّا أَنْ يُدْخِلَهُ إِيَّاهَا ثُمَّ يُخْرِجَهُ مِنْهَا بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ، لِمَا سَلَفَ مِنْ وَعْدِهِ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا‏}‏ ‏[‏سُورَةُ الزُّمَرِ‏:‏ 53‏]‏‏.‏

فَإِنَّ ظَنَّ ظَانٌّ أَنَّ الْقَاتِلَ إِنْ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ دَاخِلًا فِي هَذِهِ الْآيَةِ، فَقَدْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمُشْرِكُ دَاخِلًا فِيهِ، لِأَنَّ الشِّرْكَ مِنَ الذُّنُوبِ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ ذِكْرُهُ قَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ غَيْرُ غَافِرٍ الشِّرْكَ لِأَحَدٍ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ‏}‏ ‏[‏سُورَةُ النِّسَاءِ‏:‏ 48، ‏]‏، وَالْقَتْلُ دُونَ الشِّرْكِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏94‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا‏"‏، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّهَ وَصَدَّقُوا رَسُولَهُ فِيمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِمْ‏"‏إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ إِذَا سِرْتُمْ مَسِيرًا لِلَّهِ فِي جِهَادِ أَعْدَائِكُمْ ‏"‏فَتَبَيَّنُوا‏"‏، يَقُولُ‏:‏ فَتَأَنَّوْا فِي قَتْلِ مَنْ أَشْكَلَ عَلَيْكُمْ أَمْرُهُ، فَلَمْ تَعْلَمُوا حَقِيقَةَ إِسْلَامِهِ وَلَا كُفْرِهِ، وَلَا تُعَجِّلُوا فَتَقْتُلُوا مَنِ الْتَبَسَ عَلَيْكُمْ أَمْرُهُ، وَلَا تَتَقَدَّمُوا عَلَى قَتْلِ أَحَدٍ إِلَّا عَلَى قَتْلِ مَنْ عَلِمْتُمُوهُ يَقِينًا حَرْبًا لَكُمْ وَلِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ‏"‏وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَمَ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ وَلَا تَقُولُوا لِمَنِ اسْتَسْلَمَ لَكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلْكُمْ، مُظْهِرًا لَكُمْ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ مِلَّتِكُمْ وَدَعْوَتِكُمْ ‏"‏لَسْتَ مُؤْمِنًا‏"‏، فَتَقْتُلُوهُ ابْتِغَاءَ‏"‏عَرَضِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا‏"‏، يَقُولُ‏:‏ طَلَبَ مَتَاعِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، فَإِنَّ‏"‏عِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمَ كَثِيرَةً‏"‏، مِنْ رِزْقِهِ وَفَوَاضِلِ نِعَمِهِ، فَهِيَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ أَطَعْتُمُ اللَّهَ فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ وَنَهَاكُمْ عَنْهُ، فَأَثَابَكُمْ بِهَا عَلَى طَاعَتِكُمْ إِيَّاهُ، فَالْتَمِسُوا ذَلِكَ مِنْ عِنْدِهِ‏"‏كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ‏"‏، يَقُولُ، كَمَا كَانَ هَذَا الَّذِي أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَقُلْتُمْ لَهُ ‏"‏لَسْتَ مُؤْمِنًا‏"‏ فَقَتَلْتُمُوهُ، كَذَلِكَ كُنْتُمْ أَنْتُمْ مِنْ قَبْلُ، يَعْنِي‏:‏ مِنْ قَبْلِ إِعْزَازِ اللَّهِ دِينَهُ بِتُبَّاعِهِ وَأَنْصَارِهِ، تَسْتَخْفُونَ بِدِينِكُمْ، كَمَا اسْتَخْفَى هَذَا الَّذِي قَتَلْتُمُوهُ وَأَخَذْتُمْ مَالَهُ، بِدِينِهِ مِنْ قَوْمِهِ أَنْ يُظْهِرَهُ لَهُمْ، حَذَرًا عَلَى نَفْسِهِ مِنْهُمْ‏.‏ وَقَدْ قِيلَ إِنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ‏"‏ كُنْتُمْ كُفَّارًا مِثْلَهُمْ‏"‏فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ فَتَفَضَّلَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ بِإِعْزَازِ دِينِهِ بِأَنْصَارِهِ وَكَثْرَةِ تُبَّاعِهِ‏.‏ وَقَدْ قِيلَ، فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ بِالتَّوْبَةِ مِنْ قَتْلِكُمْ هَذَا الَّذِي قَتَلْتُمُوهُ وَأَخَذْتُمْ مَالَهُ بَعْدَ مَا أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَمَ ‏"‏فَتَبَيَّنُوا‏"‏، يَقُولُ‏:‏ فَلَا تُعَجِّلُوا بِقَتْلِ مَنْ أَرَدْتُمْ قَتْلَهُ مِمَّنِ الْتَبَسَ عَلَيْكُمْ أَمْرُ إِسْلَامِهِ، فَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَكُونَ قَدْ مَنَّ عَلَيْهِ مِنَ الْإِسْلَامِ بِمِثْلِ الَّذِي مَنَّ بِهِ عَلَيْكُمْ، وَهَدَاهُ لِمِثْلِ الَّذِي هَدَاكُمْ لَهُ مِنَ الْإِيمَانِ‏.‏ ‏"‏إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا‏"‏، يَقُولُ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِقَتْلِكُمْ مَنْ تَقْتُلُونَ، وَكَفِّكُمْ عَمَّنْ تَكُفُّونَ عَنْ قَتْلِهِ مِنْ أَعْدَاءِ اللَّهِ وَأَعْدَائِكُمْ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِكُمْ وَأُمُورِ غَيْرِكُمْ‏"‏خَبِيرًا‏"‏، يَعْنِي‏:‏ ذَا خِبْرَةٍ وَعِلْمٍ بِهِ، يَحْفَظُهُ عَلَيْكُمْ وَعَلَيْهِمْ، حَتَّى يُجَازِي جَمِيعَكُمْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ جَزَاءَهُ، الْمُحْسِنَ بِإِحْسَانِهِ، وَالْمُسِيءَ بِإِسَاءَتِهِ‏.‏

وَذَكَرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي سَبَبٍ قَتِيلٍ قَتَلَتْهُ سَرِيَّةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ مَا قَالَ‏:‏ ‏"‏إِنِّي مُسْلِمٌ‏"‏ أَوْ بَعْدَ مَا شَهِدَ شَهَادَةَ الْحَقِّ أَوْ بَعْدَ مَا سَلَّمَ عَلَيْهِمْ لِغَنِيمَةٍ كَانَتْ مَعَهُ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مِلْكِهِ، فَأَخَذُوهُ مِنْهُ‏.‏

ذِكْرُ الرِّوَايَةِ وَالْآثَارِ فِي ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «بَعْثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَلِّمَ بْنَ جَثَّامَةَ مَبْعَثًا، فَلَقِيَهُمْ عَامِرُ بْنُ الْأَضْبَطِ، فَحَيَّاهُمْ بِتَحِيَّةِ الْإِسْلَامِ، وَكَانَتْ بَيْنَهُمْ حِنَةٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَرَمَاهُ مُحَلِّمٌ بِسَهْمٍ، فَقَتَلَهُ‏.‏ فَجَاءَ الْخَبَرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَكَلَّمَ فِيهِ عُيَيْنَةُ وَالْأَقْرَعُ، فَقَالَ الْأَقْرَعُ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، سُنَّ الْيَوْمَ وَغَيِّرْ غَدًا‏!‏ فَقَالَ عُيَيْنَةُ‏:‏ لَا وَاللَّهِ، حَتَّى تَذُوقَ نِسَاؤُهُ مِنَ الثُّكْلِ مَا ذَاقَ نِسَائِي، فَجَاءَ مُحَلِّمٌ فِي بُرْدَيْنِ، فَجَلَسَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ لِيَسْتَغْفِرَ لَهُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ لَا غَفَرَ اللَّهُ لَكَ‏!‏ فَقَامَ وَهُوَ يَتَلَقَّى دُمُوعَهُ بِبُرْدَيْهِ، فَمَا مَضَتْ بِهِ سَابِعَةٌ حَتَّى مَاتَ، وَدَفَنُوهُ فَلَفَظَتْهُ الْأَرْضُ‏.‏ فَجَاءُوا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ‏:‏ إِنَّ الْأَرْضَ تَقْبَلُ مَنْ هُوَ شَرٌّ مِنْ صَاحِبِكُمْ‏!‏ وَلَكِنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَزَّ أَرَادَ أَنْ يَعِظَكُمْ‏.‏ ثُمَّ طَرَحُوهُ بَيْنَ صَدَفَيْ جَبَلٍ، وَأَلْقَوْا عَلَيْهِ مِنَ الْحِجَارَةِ، وَنَزَلَتْ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا‏}‏ ‏"‏» الْآيَةَ،

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ، عَنْ أَبِي الْقَعْقَاعِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حَدْرَدٍ الْأَسْلَمِيِّ، «عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حَدْرَدٍ قَالَ‏:‏ بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى إِضَمٍ، فَخَرَجْتُ فِي نَفَرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِيهِمْ أَبُو قَتَادَةَ الْحَارِثُ بْنُ رِبْعِيٍّ، وَمُحَلِّمُ بْنُ جَثَّامَةَ بْنِ قَيْسٍ اللَّيْثِيُّ‏.‏ فَخَرَجْنَا حَتَّى إِذَا كُنَّا بِبَطْنٍ إِضَمٍ، مَرَّ بِنَا عَامِرُ بْنُ الْأَضْبَطِ الْأَشْجَعِيُّ عَلَى قَعُودٍ لَهُ، مَعَهُ مُتَيِّعٌ لَهُ، وَوَطْبٌ مِنْ لَبَنٍ‏.‏ فَلَمَّا مَرَّ بِنَا سَلَّمَ عَلَيْنَا بِتَحِيَّةِ الْإِسْلَامِ، فَأَمْسَكَنَا عَنْهُ، وَحَمَلَ عَلَيْهِ مُحَلِّمُ بْنُ جَثَّامَةَ اللَّيْثِيُّ لِشَيْءٍ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فَقَتَلَهُ، وَأَخَذَ بَعِيرَهُ وَمُتَيِّعَهُ‏.‏ فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرْنَاهُ الْخَبَرَ، نَزَلَ فِينَا الْقُرْآنُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا‏}‏ ‏"‏» الْآيَةَ،

حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ إِدْرِيسَ الْأَصَمُّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيُّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي حَدْرَدٍ الْأَسْلَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ بِنَحْوِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ لَحِقَ نَاسٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ رَجُلًا فِي غُنَيْمَةٍ لَهُ، فَقَالَ‏:‏ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ‏!‏ فَقَتَلُوهُ وَأَخَذُوا تِلْكَ الْغُنَيْمَةَ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا‏}‏ ‏"‏، تِلْكَ الْغُنَيْمَةَ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِنَحْوِهِ‏.‏

حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الرَّبِيعِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ لَحِقَ الْمُسْلِمُونَ رَجُلًا ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، «عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ مَرَّ رَجُلٌ مَنْ بَنِي سُلَيْمٍ عَلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي غَنَمٍ لَهُ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، فَقَالُوا‏:‏ مَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا لِيَتَعَوَّذَ مِنْكُمْ‏!‏ فَعَمَدُوا إِلَيْهِ فَقَتَلُوهُ وَأَخَذُوا غَنَمَهُ، فَأَتَوْا بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا‏}‏ ‏"‏» إِلَى آخِرِ الْآيَةِ

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، «عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ كَانَ الرَّجُلُ يَتَكَلَّمُ بِالْإِسْلَامِ، وَيُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالرَّسُولِ، وَيَكُونُ فِي قَوْمِهِ، فَإِذَا جَاءَتْ سَرِيَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ بِهَا حَيَّهُ يَعْنِي قَوْمَهُ فَفَرُّوا، وَأَقَامَ الرَّجُلُ لَا يَخَافُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ عَلَى دِينِهِمْ، حَتَّى يَلْقَاهُمْ فَيُلْقِي إِلَيْهِمُ السَّلَامَ، فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُونَ‏:‏ ‏"‏لَسْتَ مُؤْمِنًا‏"‏، وَقَدْ أَلْقَى السَّلَامَ فَيَقْتُلُونَهُ، فَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏"‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا‏}‏ ‏"‏، إِلَى‏"‏تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا‏"‏، يَعْنِي‏:‏ تَقْتُلُونَهُ إِرَادَةً أَنْ يَحِلَ لَكُمْ مَالُهُ الَّذِي وَجَدْتُمْ مَعَهُ-وَذَلِكَ عَرَضُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا- فَإِنَّ عِنْدِي مَغَانِمَ كَثِيرَةً، فَالْتَمِسُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ‏.‏ وَهُوَ رَجُلٌ اسْمُهُ‏"‏ مِرْدَاسٌ ‏"‏، جَلَا قَوْمُهُ هَارِبِينَ مِنْ خَيْلٍ بَعَثَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَيْهَا رَجُلٌ مِنْ بَنِي لَيْثٍ اسْمُهُ‏"‏ قُلَيْبٌ ‏"‏، وَلَمْ يَجْلُ مَعَهُمْ، وَإِذْ لَقِيَهُمْ مِرْدَاسٌ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ قَتَلُوهُ، فَأَمَرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِهِ بِدِيَتِهِ، وَرَدَّ إِلَيْهِمْ مَالَهُ، وَنَهَى الْمُؤْمِنِينَ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ‏.‏»

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا‏}‏ ‏"‏، الْآيَةَ، قَالَ‏:‏ وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي شَأْنِ مِرْدَاسٍ، رَجُلٌ مِنْ غَطَفَانَ، ذُكِرَ لَنَا «أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ جَيْشًا عَلَيْهِمْ غَالِبٌ اللَّيْثِيُّ إِلَى أَهْلِ فَدَكٍ، وَبِهِ نَاسٍ مِنْ غَطَفَانَ، وَكَانَ مِرْدَاسٌ مِنْهُمْ، فَفَرَّ أَصْحَابُهُ، فَقَالَ مِرْدَاسٌ‏:‏ ‏"‏إِنِّي مُؤْمِنٌ وَإِنِّي غَيْرُ مُتَّبِعِكُمْ، فَصَبَّحَتْهُ الْخَيْلُ غُدْوَةً، فَلَمَّا لَقُوهُ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ مِرْدَاسٌ، فَرَمَاهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَتَلُوهُ، وَأَخَذُوا مَا كَانَ مَعَهُ مِنْ مَتَاعٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ فِي شَأْنِهِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا‏}‏ ‏"‏»، لِأَنَّتَحِيَّةَ الْمُسْلِمِينَ السَّلَامُ، بِهَا يَتَعَارَفُونَ، وَبِهَا يُحَيِّي بَعْضُهُمْ بَعْضًا‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا‏}‏ ‏"‏، «بَعْثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً عَلَيْهَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ إِلَى بَنِي ضَمْرَةَ، فَلَقُوا رَجُلًا مِنْهُمْ يُدْعَى مِرْدَاسَ بْنَ نَهْيِكٍ، مَعَهُ غُنَيْمَةٌ لَهُ وَجَمَلٌ أَحْمَرُ‏.‏ فَلَمَّا رَآهُمْ أَوَى إِلَى كَهْفِ جَبَلٍ، وَاتَّبَعَهُ أُسَامَةُ‏.‏ فَلَمَّا بَلَغَ مِرْدَاسٌ الْكَهْفَ، وَضَعَ فِيهِ غَنَمَهُ، ثُمَّ أَقْبَلُ إِلَيْهِمْ فَقَالَ‏:‏ ‏"‏السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ‏"‏‏.‏ فَشَدَّ عَلَيْهِ أُسَامَةُ فَقَتَلَهُ، مِنْ أَجْلِ جَمَلِهِ وَغُنَيْمَتِهِ‏.‏ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا بَعَثَ أُسَامَةَ أَحَبَّ أَنْ يُثْنَى عَلَيْهِ خَيْرٌ، وَيَسْأَلُ عَنْهُ أَصْحَابَهُ‏.‏ فَلَمَّا رَجَعُوا لَمْ يَسْأَلْهُمْ عَنْهُ، فَجَعَلَ الْقَوْمُ يُحَدِّثُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَقُولُونَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ رَأَيْتَ أُسَامَةَ وَلَقِيَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ الرَّجُلُ‏:‏ ‏"‏لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ‏"‏، فَشَدَّ عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ‏!‏ وَهُوَ مُعْرِضٌ عَنْهُمْ‏.‏ فَلَمَّا أَكْثَرُوا عَلَيْهِ، رَفَعَ رَأْسِهِ إِلَى أُسَامَةَ فَقَالَ‏:‏ كَيْفَ أَنْتَ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّمَا قَالَهَا مُتَعَوِّذًا، تَعَوَّذَ بِهَا‏!‏‏.‏ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ هَلَّا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ فَنَظَرَتْ إِلَيْهِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّمَا قَلْبُهُ بَضْعَةٌ مِنْ جَسَدِهِ‏!‏ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ خَبَرَ هَذَا، وَأَخْبَرَهُ إِنَّمَا قَتَلَهُ مِنْ أَجْلِ جَمَلِهِ وَغَنَمِهِ، فَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا‏}‏ ‏"‏، فَلَمَّا بَلَغَ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ‏}‏ ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ فَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ، فَحَلَفَ أُسَامَةُ أَنْ لَا يُقَاتَلَ رَجُلًا يَقُولُ‏:‏ ‏"‏لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ‏"‏، بَعْدَ ذَلِكَ الرَّجُلِ، وَمَا لَقِيَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيه»‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، «عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَغَارَ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَحَمَلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ الْمُشْرِكُ‏:‏ ‏"‏إِنِّي مُسْلِمٌ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ‏"‏، فَقَتَلَهُ الْمُسْلِمُ بَعْدَ أَنْ قَالَهَا‏.‏ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لِلَّذِي قَتَلَهُ‏:‏ أَقَتَلْتَهُ، وَقَدْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ‏؟‏ فَقَالَ، وَهُوَ يَعْتَذِرُ‏:‏ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِنَّمَا قَالَهَا مُتَعَوِّذًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ‏!‏ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ فَهَلَّا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ‏؟‏ ثُمَّ مَاتَ قَاتِلُ الرَّجُلِ فَقُبِرَ، فَلَفَظَتْهُ الْأَرْضُ‏.‏ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَقْبُرُوهُ، ثُمَّ لَفَظَتْهُ الْأَرْضُ، حَتَّى فُعِلَ بِهِ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ‏.‏ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ إِنَّ الْأَرْضَ أَبَتْ أَنْ تَقْبَلَهُ، فَأَلْقَوْهُ فِي غَارٍ مِنَ الْغِيرَانِ‏.‏ قَالَ مَعْمَرٌ‏:‏ وَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ إِنَّ الْأَرْضَ تَقْبَلُ مَنْ هُوَ شَرٌّ مِنْهُ، وَلَكِنَّ اللَّهَ جَعَلَهُ لَكُمْ عِبْرَةً‏.‏»

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ‏:‏ أَنَّ قَوْمًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَقُوا رَجُلًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ فِي غُنَيْمَةٍ لَهُ، فَقَالَ‏:‏ ‏"‏السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، إِنِّي مُؤْمِنٌ‏"‏، فَظَنُّوا أَنَّهُ يَتَعَوَّذُ بِذَلِكَ، فَقَتَلُوهُ وَأَخَذُوا غُنَيْمَتَهُ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَأَنْزَلَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا‏}‏ ‏"‏، تِلْكَ الْغُنَيْمَةَ‏"‏ ‏{‏كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا‏}‏ ‏"‏‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ خَرَجَ الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ فِي سَرِيَّةٍ، بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَمَرُّوا بِرَجُلٍ فِي غُنَيْمَةٍ لَهُ، فَقَالَ‏:‏ ‏"‏إِنِّي مُسْلِمٌ‏"‏، فَقَتَلَهُ الْمِقْدَادُ‏.‏ فَلَمَّا قَدِمُوا ذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ الْغُنَيْمَةُ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ‏:‏ نَزَلَ ذَلِكَ فِي رَجُلٍ قَتَلَهُ أَبُو الدَّرْدَاءِ

فَذَكَرَ مِنْ قِصَّةِ أَبِي الدَّرْدَاءِ، نَحْوَ الْقِصَّةِ الَّتِي ذُكِرَتْ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، وَقَدْ ذُكِرَتْ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً‏}‏ ‏"‏، ثُمَّ قَالَ فِي الْخَبَرِ‏:‏

وَنَزَلَ الْفُرْقَانُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً‏}‏ ‏"‏، فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا‏}‏ ‏"‏، غَنَمَهُ الَّتِي كَانَتْ، عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ‏"‏فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ‏"‏، خَيْرٌ مِنْ تِلْكَ الْغَنَمِ، إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا‏}‏ ‏"‏‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ رَاعِي غَنَمٍ، لَقِيَهُ نَفَرٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَتَلُوهُ، وَأَخَذُوا مَا مَعَهُ، وَلَمْ يَقْبَلُوا مِنْهُ‏:‏ ‏"‏السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، فَإِنِّي مُؤْمِنٌ‏"‏‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا‏}‏ ‏"‏، قَالَ‏:‏ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَقُولُوا لِمَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ‏:‏ ‏"‏لَسْتَ مُؤْمِنًا‏"‏، كَمَا حَرَّمَ عَلَيْهِمُ الْمَيْتَةَ، فَهُوَ آمِنٌ عَلَى مَالِهِ وَدَمِهِ، لَا تَرُدُّوا عَلَيْهِ قَوْلَهُ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَاخْتَلَفَتِ الْقَرَأَةُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏فَتَبَيَّنُوا‏"‏‏.‏

فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قَرَأَةِ الْمَكِّيِّينَ وَالْمَدَنِيِّينَ وَبَعْضُ الْكُوفِيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ‏:‏ ‏(‏فَتَبَيَّنُوا‏)‏ بِالْيَاءِ وَالنُّونِ، مِنَ ‏"‏التَّبَيُّنِ‏"‏ بِمَعْنَى، التَّأَنِّي وَالنَّظَرِ وَالْكَشْفِ عَنْهُ حَتَّى يَتَّضِحَ‏.‏

وَقَرَأَ ذَلِكَ عُظْمُ قَرَأَةِ الْكُوفِيِّينَ‏:‏ ‏(‏فَتَثَبَّتُوا‏)‏، بِمَعْنَى التَّثَبُّتِ، الَّذِي هُوَ خِلَافُ الْعَجَلَةِ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَالْقَوْلُ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ مُسْتَفِيضَتَانِ فِي قَرَأَةِ الْمُسْلِمِينَ بِمَعْنَى وَاحِدٍ، وَإِنِ اخْتَلَفَتْ بِهِمَا الْأَلْفَاظُ‏.‏ لِأَنَّ ‏"‏المُتَثَبِّتَ‏"‏ مُتَبَيِّنٌ، وَ ‏"‏المُتَبَيِّنَ‏"‏ مُتَثَبِّتٌ، فَبِأَيِّ الْقِرَاءَتَيْنِ قَرَأَ الْقَارِئُ، فَمُصِيبٌ صَوَابَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ‏.‏

وَاخْتَلَفَتِ الْقَرَأَةُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَمَ ‏"‏‏.‏

فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قَرَأَةِ الْمَكِّيِّينَ وَالْمَدَنِيِّينَ وَالْكُوفِيِّينَ‏:‏ ‏(‏السَّلَمَ‏)‏ بِغَيْرِ أَلِفٍ، بِمَعْنَى الِاسْتِسْلَامِ‏.‏

وَقَرَأَ بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ‏:‏ ‏(‏السَّلَامَ‏)‏ بِأَلِفٍ، بِمَعْنَى التَّحِيَّةِ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا‏:‏ ‏(‏لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَمَ‏)‏، بِمَعْنَى‏:‏ مَنِ اسْتَسْلَمَ لَكُمْ، مُذْعِنًا لِلَّهِ بِالتَّوْحِيدِ، مُقِرًّا لَكُمْ بِمِلَّتِكُمْ‏.‏

وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا ذَلِكَ، لِاخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ فِي ذَلِكَ‏:‏ فَمِنْ رَاوٍ رَوَى أَنَّهُ اسْتَسْلَمَ بِأَنْ شَهِدَ شَهَادَةَ الْحَقِّ وَقَالَ‏:‏ ‏"‏إِنِّي مُسْلِمٌ‏"‏، وَمِنْ رَاوٍ رَوَى أَنَّهُ قَالَ‏:‏ ‏"‏السَّلَامُ عَلَيْكُمْ‏"‏، فَحَيَّاهُمْ تَحِيَّةَ الْإِسْلَامِ، وَمِنْ رَاوٍ رَوَى أَنَّهُ كَانَ مُسْلِمًا بِإِسْلَامٍ قَدْ تَقَدَّمَ مِنْهُ قَبْلَ قَتْلِهِمْ إِيَّاهُ، وَكُلُّ هَذِهِ الْمَعَانِي يَجْمَعُهُ ‏"‏السَّلَمُ‏"‏، لِأَنَّ الْمُسْلِمَ مُسْتَسْلِمٌ، وَالْمُحَيِّيَ بِتَحِيَّةِ الْإِسْلَامِ مُسْتَسْلِمٌ، وَالْمُتَشَهِّدَ شَهَادَةَ الْحَقِّ مُسْتَسْلِمٌ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ، فَمَعْنَى ‏"‏السَّلَمِ‏"‏ جَامِعٌ جَمِيعَ الْمَعَانِي الَّتِي رُوِيَتْ فِي أَمْرِ الْمَقْتُولِ الَّذِي نَزَلَتْ فِي شَأْنِهِ هَذِهِ الْآيَةُ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي ‏"‏السَّلَامِ‏"‏، لِأَنَّ ‏"‏السَّلَامَ‏"‏ لَا وَجْهَ لَهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ إِلَّا التَّحِيَّةُ‏.‏ فَلِذَلِكَ وَصَفْنَا ‏"‏السَّلَمَ‏"‏، بِالصَّوَابِ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ‏}‏ ‏"‏‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ مَعْنَاهُ‏:‏ كَمَا كَانَ هَذَا الَّذِي قَتَلْتُمُوهُ بَعْدَ مَا أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَمَ، مُسْتَخْفِيًا فِي قَوْمِهِ بِدِينِهِ خَوْفًا عَلَى نَفْسِهِ مِنْهُمْ، كُنْتُمْ أَنْتُمْ مُسْتَخْفِينَ بِأَدْيَانِكُمْ مِنْ قَوْمِكُمْ حَذَرًا عَلَى أَنْفُسِكُمْ مِنْهُمْ، فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ‏"‏، تَسْتَخْفُونَ بِإِيمَانِكُمْ، كَمَا اسْتَخْفَى هَذَا الرَّاعِي بِإِيمَانِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ‏:‏ ‏"‏كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ‏"‏، تَكْتُمُونَ إِيمَانَكُمْ فِي الْمُشْرِكِينَ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ كَمَا كَانَ هَذَا الَّذِي قَتَلْتُمُوهُ، بَعْدَ مَا أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَمَ، كَافِرًا، كُنْتُمْ كُفَّارًا، فَهَدَاهُ كَمَا هَدَاكُمْ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ‏}‏ ‏"‏، كُفَّارًا مِثْلَهُ‏"‏فَتَبَيَّنُوا‏"‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَوْلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ، الْقَوْلُ الْأَوَّلُ، وَهُوَ قَوْلُ مَنْ قَالَ‏:‏ كَذَلِكَ كُنْتُمْ تُخْفُونَ إِيمَانَكُمْ فِي قَوْمِكُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَأَنْتُمْ مُقِيمُونَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، كَمَا كَانَ هَذَا الَّذِي قَتَلْتُمُوهُ مُقِيمًا بَيْنَ أَظْهُرِ قَوْمِهِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مُسْتَخْفِيًا بِدِينِهِ مِنْهُمْ‏.‏

وَإِنَّمَا قُلْنَا‏:‏ ‏"‏هَذَا التَّأْوِيلُ أَوْلَى بِالصَّوَابِ‏"‏، لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ ذِكْرُهُ إِنَّمَا عَاتَبَ الَّذِينَ قَتَلُوهُ مَنْ أَهَلِ الْإِيمَانِ بَعْدَ إِلْقَائِهِ إِلَيْهِمُ السَّلَمَ وَلَمْ يُقَدْ بِهِ قَاتِلُوهُ، لِلَّبْسِ الَّذِي كَانَ دَخَلَ فِي أَمْرِهِ عَلَى قَاتِلِيهِ بِمَقَامِهِ بَيْنَ أَظْهُرِ قَوْمِهِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَظَنِّهِمْ أَنَّهُ أَلْقَى السَّلَمَ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ تَعَوُّذًا مِنْهُمْ، وَلَمْ يُعَاتِبْهُمْ عَلَى قَتْلِهِمْ إِيَّاهُ مُشْرِكًا فَيُقَالُ‏:‏ ‏"‏كَمَا كَانَ كَافِرًا كُنْتُمْ كُفَّارًا‏"‏، بَلْ لَا وَجْهَ لِذَلِكَ، لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَمْ يُعَاتِبْ أَحَدًا مِنْ خَلْقِهِ عَلَى قَتْلِ مُحَارِبٍ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ، بَعْدَ إِذْنِهِ لَهُ بِقَتْلِهِ‏.‏

وَاخْتَلَفَ أَيْضًا أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ‏}‏ ‏"‏‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ بِإِظْهَارِ دِينِهِ وَإِعْزَازِ أَهْلِهِ، حَتَّى أَظْهَرُوا الْإِسْلَامَ بَعْدَ مَا كَانُوا يَكْتَتِمُونَ بِهِ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ‏}‏ ‏"‏، فَأَظْهَرَ الْإِسْلَامَ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ أَيُّهَا الْقَاتِلُونَ الَّذِي أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَمَ طَلَبَ عَرَضِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا بِالتَّوْبَةِ مِنْ قَتْلِكُمْ إِيَّاهُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ‏}‏ ‏"‏، يَقُولُ‏:‏ تَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، التَّأْوِيلُ الَّذِي ذَكَرْتُهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، لِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الدِّلَالَةِ عَلَى أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ‏"‏، مَا وَصَفْنَا قَبْلُ‏.‏ فَالْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ عَقِيبُ ذَلِكَ‏:‏ ‏"‏ ‏{‏فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ‏}‏ ‏"‏، فَرَفَعَ مَا كُنْتُمْ فِيهِ مِنَ الْخَوْفِ مِنْ أَعْدَائِكُمْ عَنْكُمْ، بِإِظْهَارِ دِينِهِ وَإِعْزَازِ أَهْلِهِ، حَتَّى أَمْكَنَكُمْ إِظْهَارَ مَا كُنْتُمْ تَسْتَخْفُونَ بِهِ مِنْ تَوْحِيدِهِ وَعِبَادَتِهِ، حِذَارًا مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ‏.‏